يا منْ بَقيتَ بَعدي

صورة الكتيب




يا منْ بَقيتَ بَعدي , عِنوانُ كُتيّب وَصلَني بَعد وَفاةِ إِحدى الصّديقات كَنوعٍ مِن تَخفيف وَجع الفراق عَلى لِسان الميّت لِيجْعلني أفَكر مَاذا لَو كُنت أنَا مَنْ تُوفيَت بَدلاً عَنْ الصّديقة ؟ ماذا سَأقول .. حَتمًا سأريدُ أن أرجِع , وَ لكن لِما ؟ .

سَأفعلُ الأشياء التي أجَلتُها في حَياتي التي ظَننتُ أنَها سَرمَدية , سَأكثرُ مِن العبادات وَهذا شَيءٌ مؤكد , سَأحاول مَسح آثار أقدامِي التي مَشت ذاتَ لحظة لِخطيئةٍ مَا .

وَالأهمُ مِنْ ذَلك .. مَنْ بَقيَ بَعدي .
سَأعتذرُ لَهُ عَن أنانيتي بِعدمْ إِخباري لَهُ بالحب الذي أكنَنْتهُ , لِكلِّ فردٍ من العائلة مارستُ تلك الخدع مِن أجلِ التّغيب عن موعد لمَّة العائلة وأَتَسلل لِلحَديثِ مَع مَجهولِين فِي إِحدى مَواقع التواصُل الاجتماعي ! , و عَنْ كُلِ لَحظة فَرحٍ لَوثتُها بِالعبوس , وَلَحظة ألم لَمْ أُجِد فَنْ المُواساة حينها .

إلى العَائِلة.. العائِلة .
فردًا جَاءوا إلى الدنيا بِفطرَة الحُب أمّا الكره فَهيَ كَلمة مَجهولة لَيستْ لَها وُجود فِي قاموسهم . بفطرة الحُب استحملوا جنوني .. ضحكي وحزني .. فَلسفَتي وَ كلامٌ لا معنى له , تَحدثتُ بِهِ لسَاعات وَاستَمَعوا لَه أيضًا لِساعات .


العَائِلة.. مَنْ بَقيت بَعدي .
لَو كُنتُ أنَا مَن تُوفيَت لَتمنيتُ أنْ أَعود لَهُم , وَلأحضانِهِم ألتَجأ . كَم أتَلَهف لِأعود لِدَقيقَةٍ وَاحدة , وَأعدُ أنّها سِتون ثَانِية دُونَ أنْ أَزيدَها ثانِية واحِدة , سِتونَ ثانِيةَ لِأخبِرَهم كَم أُحِبَهم . نَحنُ سَيِئين فِي حَقِ مَنْ نُحِب ، لا نُجيد أنْ نَستَمِتع لَهُم .. تُلهينا الحَياة ، وَلكِن مَن يُلهي المَوت !.



 العائلة ..
ولمَّة العائلة التي نادرًا مَا تُقدر حَتى تُفقد , ويزورُ خَريفُ الموتِ أحَدَهم فَتسقُط وَرقته .. نُقلب ألبومَ حَياته بأسى فِي أولِ رمضانٍ يقضيه وَحيدًا في قَبرهِ .. مَاذا كان يُحِب .. ما هِيَ طُقوسَه لِهذا الشّهرِ الفَضيل , وَ كيفَ كانَ يَتَعبد .
لا تَخوننا الذاكرة , وَلكن نَخونُ الوَقت .. مُتَسائِلين بِحسرةٍ مَنْ يُعيدَه ! .

لا أَحَد يُعيدُ الراحِلينَ فِي سُنَة الله التي شَرَعها في الحَياة , نَعلَمُ ذلك وَلكِن لا نُوقِنَهُ إِلا عِندَ الفَقد , عِندَها نَقول يَا مَنْ ذَهبتَ قَبلِي ألا لَيتَ الزّمانُ يَعودُ يَومًا .. وَيَقولُ هُو فِي ظُلمةِ قَبرهِ وَ يَا مَنْ بَقيتَ بَعدي ألا لَيتَ الزّمانُ يَعودُ دَقِيقَة.

وَحدهُ الله تعالى يَعلم مَنْ سَيبقى بَعد مَنْ , رُبما أنا وَ أدعُوا الله لَو يَكونوا هُم , وَالحمدُ لله الذي هَدانِي فِي كُل لَحظَة كُنت مَعَهم وَجَعَلني أقدر نِعمَت وُجودِهم .. وَاللهم ارحَمْ جَميعَ مَوتانا ، وَاغفِر لَهُم خَطاياهم.. وَأنِر قُبورَهم وَآنِس وِحشَتهم . 

13- آب - 2016

القتل بالحُسنى

لوحة تكعيبية


في مَا مَضى قالت فاينا رانيفسكايا بِأنه إِذا أَساءَ إليكَ شَخص فأَعطِهِ سُكَّرة , وإذا أسَاءَ إليكَ مَرةً أُخرى فأَعطِهِ سُكَّرة ثانيةً , وَهكذا دَواليك إلى أنْ يَقتلهُ السّكري
حقًا لا أختَلف مَعها في الفِكرة , فَفلسفتي تقول " أنّه إذا أساءَ لك شَخص ما فَاقتُلهُ بِالحُسنى " , وَهي فَلسَفة تَتَغذى على مَبدأ واحد وَهوَ الإِحسان , أو كَما أحِب تَسميَتَهُ " القتل بِالحُسنى ".. قتل الإساءةَ بِالإحْسان

مَبدأ " القَتلْ بِالحُسنى " ليسَ بِجَديد فَقَد تَربينا عَليهِ مُنذُ نُعومَةِ أَظافِرَنا , وَشَهِدْناه في القرآنِ الكَريم حينَ قالَ الله تَعالى " وَلا تَستَوي الحَسَنةُ وَلا السَّيئةُ ادفَعْ بِالتِي هِيَ أَحسَنُ فإِذَا الذِي بَينَكَ وَبَيْنَهُ عَداوةٌ كأنهُ وَليٌّ حَميم " . أسْتَطيعُ أنْ أَجزِمَ أن جَميعَنا مارَسنا " القتل بِالحُسنى " وَ " القتل بِالإساءة " , لِذا اسأل نفسَكَ ماذا جَنيتَ مِن كِلتا التّجربَتين ؟ , وَمَن هِيَ التجرِبَة التي مَنَحتك السّعادَة وَراحةِ البال ؟ , مَن هِيَ التجرِبة التي سَتُكرِرَها بِنفسٍ راضِية مُطمَئِنة ؟

أمقتُ الحُروب .. هكَذا قُلتُ عِندَما طُرِحَ عَليّ سُؤال ( ماذا استَفدتِ مِن الإحسانِ إِلى أشخاصٍ مُسْتمرينَ في غَرسِ جُذورِ الشّوك في قَلبِك ؟ ) , وَبها اختَصرتُ جَلستَ حِواري مَعَ قلبي وَعقلي .. وَعِندَها رَفعتُ القلمْ
الحُروب .. وَمَنْ يَعْشَقُها ؟ . تَسرِقُ مِنا الكثيرَ مِن العُمرِ وَالصّحَةِ وَالسّعادَةِ , تاركةً ساحاتٍ تملؤهَا حُطامِ الكُرهِ وَالأحْقادِ , ناثرَةً أشلاءٍ لِذكرَياتٍ كَانت سَعيدَةً فيما مَضى .. وَأجْسادٍ بِقُلوبٍ سَوداء قَتَلتْ بَعضَها بِالإساءة .. فَلمْ تَجِد مَنْ يَحنو عَليهَا وَيَدفِنَها . مَنْ يَقتلِ الإِساءة إِذا تَمَرّدت غَير الإحْسان ! , فَرد الحَرب بِالحَربِ لا يَصنَع سُوى المَجازِر . وَحدَها مُبادَراتِ الإحسانِ هِيَ مَنْ تَصنَع السّلام

نَحتاجُ لِأنْ نَأخُذ مَوعدًا لِتجميلِ القلبِ في مَتجَر الحَلوى , أنْ نُزيلَ ما في داخِلهِ وَنَملأه سَكاكرَ .. حَتى إِذا دَقتْ ساعةُ حَفلةُ الإساءة نَبدأ بِتوزيعِ سكاكِرَ القلبِ بِسخاء .. أجَل أعطِهِ سُكرة , فَحينَ تُعطي المُسيءَ سُكرةً فِي كلّ حَفلةٍ تُدعى إِليها فَسَيقتلهُ سُكري الخَجلْ , سُكري الاستِحياءَ مِمَا فَعل .. مِنْ أشواكٍ أَهداها لَكَ بَدلًا عَن الوُرود , سَتقتُله سُكّرةُ إِحسانِك حَتمًا


هذهِ دَعوةٌ مِني لِقَتلِ الإساءةِ بالإحسان .. " وَأَحسِنوا إِنَّ اللَّهَ يُحِب المُحسِنين " .

4- آب - 2016

لا أحب البحر .. ولا أعشق المراكب

ضوء القمر فوق ميناء بولونيا للفنان إدوار مانيه 1868 .


كنتُ صادقةٌ مع نفسي عِندما كُنت أُؤلفُ نوتات موسيقيةٍ في ( عدم حبي للبحر ) , فَكرهُ كَلمةٌ كبيرةٌ لمْ أَصل إِليها حتى الآن .. أو رُبما وَصلتْ . 
لا أَرى في البحرِ إلا المقابر , مراكبُ غارقة , جثثٌ تطفو , هل نستطيعُ البكاءَ تَحتِ الماء , هَل تُرى الدّموع , عِندما تكونُ بِلونِ الأَسى وَ الخذلان !.
هل تُرى الدُموع تَحتَ صُراخِ ( لقد خانتنا ) ! , و كما خانَتنا الصديقات تَخوننا المَراكب . 
هَل نَستطيع استدعاء المَراكبِ لِلمثول أَمامَ المحكمة حتى تَعترف بجريمةِ الغرقان ! . 

ماذا ستقول ؟ 

 أَنها حَزُنَت لِقصتنا , فَغَرِقت مِن حُزنها وَأغرقتنا مَعها ... أَم أنّها قَررت أن تَضعَ نِهايةٍ مَأساويةٍ لنا فلمْ تُعجبها مَراسمِ المعاناة ! 
هل نستطيعُ أن نصدرَ حُكمٍ بِالإعدامِ للمَراكب , كَأن تموتَ شنقًا فوقَ الشاطئِ وَ تَحتَ لهيبِ الشمس ونَكتب عَلى قبرِها ( ماتت عَطْشا ! ) 

هل نستطيعُ محاكمة المراكب؟ .


2- حزيران - 2016

الصائد افترس الملاك

 من إحدى المواقع الإلكترونية


محاولة اعتذار / إلى مَنْ رُوحي هِيَ قِطعةٌ مِنها , 
إِلى المَلاك النّقي ..هِذه مُحاولة اعتِذار لَعلَكِ تَقبلينَها وَتُعطِني صَدقة مِنْ عُملةِ الغُفران . 

هنا دعوتُ نَفسي إِلى جَلسة مُصارحة مَع الذات .. أًريدُ أن أنسفَ ذاتي , أنْ أحولَ هذهِ الجَلسة مِن ساحَة حَرب إلى مَجزرة لعلي أَجِد نَفسي بين الأشلاء .. فلطالما كُنت الضحِية , أو رُبما أنا مَن أَعجَبني هذا الدور ...أَرتديه مَتى شِئت , وَأنْزَعُهُ مَتى أُريد . 
وَحيثما وُجِدَت الضحية وُجِدَ الصيّاد , وكانَ السؤالُ مَن هوَ الصياد وَمَنْ الضحية ! . 

لمْ أَكُن سوى صائد مُحتَرف يُجيد غَرسَ سِهامِ الحُروف في الضحِية .. وَلمْ تَكنْ هِيَ ضَحية بِقدرِ ما كانتْ مَلاك , نَقي ..
تنكَسر حُروفُ الأَبجَدية كُلها أَمامَها . وَتَطمِر السّهام رَأسها خَجلًا مِن أنْ تُصيبها , خَجلًا مِن أنّها انطَلقت بَحثًا عنْها لِتُصيبها . 

تَتَساءلُ السّهام : كَيف تَجرأ الصائد بِلباسهِ الذي يُشبه الضّحيةَ أنْ يَفترسَ المَلاك ؟ , وَ كيفَ خَطرَت فِكرَت أنْ يُلقي كل خَطايا الكونْ إلا خَطيئة واحدةَ يَنْسِبُها لِنفسه .. خطيئةَ اصطِياد المَلاك ! . 
كيفَ تَناسا أنّ صَيد المَلاك , هوَ صيدٌ مَمنوعٌ دوليًا , وَعالميًا وكونيًا ... صيدٌ مُنافي لِجميع الأديانِ ؟ . 

فأجيبُ على استحياءٍ : أريدُ أنْ أَتَلاشى . 
هَل تَسطيعُ البحارُ أنْ تَلتَهِمني وَتَطمِرُني فَوقَ أمواجِها السّبعة ؟ , هَل تَستطيعُ السّحُب أنْ تَسوقَني إِلى بلاد الواق واق مُعلنةً نَفيي ؟ , هَل تَستطيعُ الأشجار أن تَجعلني أحدَ أغصانِها لعل أحدًا ما يَكسرَني فَيحرِقني ؟. 
لماذا لا أمْلِك شَريط حَياتي وَأكنْ أنا المُنتِجة فَأقتصُ مشهدَ الاصطِياد وَأُزيلهُ مِن مَشاهدَ الحياة , وَهل تُعتبر هِذه جَريمةَ تزوير ؟ أمْ جَريمَة إِخفاء أدِلة جنائية ؟ . 

في المنفى .. ضائِعة , كَيفَ العودةَ إِلى عْينيها فَلا أُريدُ الاغترابَ , وَشنطَةُ سَفري ثَقيلةٌ بالخطيئَة وَيصعبُ عَلي أنْ أَحمِلها على ظَهري .. 
في مَحطاتِ التّشرد كُنتُ مُتسولةَ تَرتَدي رِداءَ الضّحية , أَطلبُ الصّدقة . تنهالُ النّقودُ بِمختلفِ العملاتِ على يَدي , لكنّي لا أطلبُ سُوى صَدقةَ مِن عُملة واحدةَ ... صَدقة مِنْ عُملةِ الغُفران . 
عُملةَ كُتبَ عَليها , " أَغفرُ لكِ .. وأُحبُكِ أيضًا " .


 3 - آب - 2016

Popular Posts

Like us on Facebook

Flickr Images