الكاتب التاجِر
3/03/2017 11:55:00 ص![]() |
من إحدى المواقع الإلكترونية |
جَميعُنا نَكتبْ , فالكِتابَة مَا هيَ إِلا نَوعٌ مِن أنواع الفَضفَضة , فَبدلًا مِن اللّجوءِ إلى الأصدقاءِ لنشتكي هُمومنا وَآلمنا , أو لنُحدثهُم عَن أحلامِنا وَ آمالِنا , أو لنُعبرَ لهُم أن آرائِنا وَأفكارِنا , نَجِدنا نَكتب .. نَكتب حَتى آخِر رَمق حبرٍ .
ولكنَّ السؤال : هَل هِيَ كِتابات قابِلة للنشر ؟ . أو بصيغةٍ أخرى , هَل هذِه الحُروف العابِرة تَستَحق لأن تُجسّد عَلى هَيئة كِتاب ؟ .
لَقد أصبَحنا الآنَ فِي زَمنِ أنّ كُل مَن مَسِكَ القَلم وَكَتب أطلَقَ على نفسِه لَقبْ ( كاتب ) , وَباتَ شِعار هَؤلاءِ التّجار " أُكتُبْ " , مُدنّسينَ بِذلك قٌدسِية اللقَب . وتَزامنَ ذلك مع انتِشارِ دُور النّشر التي تُتيحُ لَهم فُرصَة نَشرِ الكِتُب كَدعم كما يَدّعُون , أمّا الحقيقة فهيَ أنّ بَعضَ الدّور تَنشرُ لهم فقط ليكسبوا رِزقَهم أيضًا , فَماذا يُريد دَارَ النّشر مِن كِتاب سَيء عَادا عَن القَليل مِن المَال .
هِذه الدّور مَع الأسَف سَاهَمت فِي صِناعَة " الكاتِب التّاجِر" وَجَعلتْ من هذهِ الصِناعَة أمرًا سَهلاً . فمَعَ القليل مِن أفرِاد العَائِلة الفخورةَ بِالغلافِ الذي يَحملُ اسم عَزيزِهِم , وَبعضٍ مِن الأصدِقاء ويا حَبّذا لَو كانَ مِن بَينهم مُصوّرين وَ صَحفييّن .. وَبِذلكَ نَحصل عَلى فَرقَعةٍ إعلامِيةٍ كَبيرَة لِكتاب رَكيك , قَد يَخلُط العامِيةَ بِالفُصحى , مُتَجاهِلاً الإملاء فَعَلامات الترقيم .. وَالكثير مِن الأخطاء اللّغَوية ناهِيكَ عن الأخطاء النّحوية.
دعم الجيل الناشئ
قَد يتقوَّل البعض بِأنّها البِداياتُ السّيئة التي سَتجعلُ منه كاتِبًا عظيمًا , وغيرها من سِمفونِيات الدّعم والتشجِيع , ثُم سَيسرِدُونَ لنا الكثير ممن بدؤوا مِن الصّفر , وَلكنْ يَا عَزيزي لا تَستَطيعُ أنْ تَبدأ نَجاحَك مِن القمّة , أن تُمسِك بِالحبل ثُم تَطلُب مِنَ الرافِعة أنْ تَرفَعك وَتقول لَقد نَجحت .. مَاذا عَن السلّم , وَ أولِ دَرج ؟ .
مَواقع التّواصل الاجِتماعي الآن فُرصة جدًا مُمتازة لِنشر كِتاباتِك ( البِدائية ) الأدَبية ! , و النّقد الذي سوفَ تَحصل عليهِ مِن القرّاء هُناك هُو مَا يُفيد , وَطبعًا أقصدُ هُنا النقد السّليم .. لا المُجامَلة وَالتّصفِيق وَقولُهم أحسَنت , فَأحسنت لنْ تَجعلكَ " كَاتب" وَلكنّها حَتمًا كَافية لتجعلَ مِنك " الكاتب التّاجر" .
طِراز رخيص نَاجح !
أحدُ الكُتّاب اقتَرفَ خَطيئة نَاجِحةَ في بَدايةِ كِتابِه , فَقد بَدأها بِألفاظ خَادشة للحياءِ العَام , وَمَشاهِد وَتلميحَات مُثيرَة وبِذلكَ جَذب شَريحة كبير من القرّاء المُراهقين , وَصِدقًا استحيَيْتُ أن أُكملَ هذا الكِتاب فَمُقدمتها مِن طِراز رَخيص لا يَجذِبُني بل يَجعلني أشمَئزُّ مِن المرحلة التي وَصل لها " الكاتِب التّاجر" .
فَهذه النّوعية مِن الكُتب المُثيرة لا تُقدم شيء للقارِئ عَادا عَن المُتعة ! , ولكنّها تُقدم الكثير لِلكاتب .. فَتمنحهُ اللقب , وَتمنحهُ التّجارة !.
الكُتب لِلبيع , وَلكن الكَاتب ليس تَاجر
نَشتري الكُتب وَنستطيعَ أن نَقول أنّ المَال المدفُوع ما هو إلا عُربُون شكر وتقدِير لِما سَيُقدمه الكِتاب لي مِن ثَقافة وَإثراء لغَوي , وَلكن عِندما يُدخِلني الكاتِب بِهُمومة اليَومِية عَلى شَكل رِواية , وأن يَسردَ لي قِصةَ نَجاحه الوَهميَة على صُورةِ البَطل .. ماذا سَأستفيد أنا , كَقارئة لكِتاب قد نُفِخَ بالهواء ! .
ماذا سَأستفيد مِن حَلقات مُفرغَة يَدور حَولها الكاتِب , وَمِن مَعلومات أعرِفُها مسبقًا مِن المَدرسة ! . هنالك كُتّاب كلَ عامٍ لَديهِم كِتاب جَديد .. كُل عَام ! , وكيفَ لا فهذِه الكُتب هِي مَصدرُ رِزقِهم الوَحيد .. يَتغذونَ عَلى أموالِنا المَسلوبَة وَوقتُنا الضّائع فِي كُتب لا تُسمِن وَلا تُغني مِن جُوع .
إلى الكَاتِب التّاجر : تَذكّر أنْ أحلامَك وخَيالِك وَ آلمِك لَيستْ مَشرُوع كِتاب , رُبما مَشرُوع فِيلم أو مُسلسل دِرامي .. و لكن لَيسَ كِتاب .
3- آذار - 2017
0 التعليقات